الصناديق السياديّة: مراكمة الثروة وسدّ العجز
مرحبا يا أصدقاء، هذه هي التدوينة الثانية عشرة من مدونة موازنة، نكمل بها عاما كاملا من الكتابة حول الاقتصاد، والمالية، وإثراء المحتوى العربي في هذه المجالات.
في تدوينة اليوم، أضع ملخصا هو تجميع وإعادة ترتيب
للأفكار المطروحة والآراء في الأوراق البحثية المشاركة في منتدى دراسات الخليج والجزيرة
العربية – الدورة السابعة (2020)، الذي تناول محورين، أحدهما: الصناديق السياديّة والسياسات
الاستثمارية لدول مجلس التعاون الخليجي.
بدأ الحديث عن صناديق
الثروة السيادية حينما قامت البلدان المنتجة للنفط والمصدّرة له بمراكمة الاحتياطيّات
من العملات الأجنبة بشكل كبير، وليس بالضرورة اعتمادها على الصادرات النفطية من أجل
مراكمة هذه الاحتياطيات. فإذا كان لدينا عملة حرة وفائض من التجارة، فإن العملة تكتسب
قيمةً إضافية. ولكن بالنسبة للدول المنتجة للنفط - تحديدا في الخليج -، فإن نظام التبادل
بالعملات الأجنبية مرتبط بالدولار، وهذا يجعلنا نتساءل حول فكرة تثبيت العملة مقابل
الدولار الأمريكي، التي عُمِلَ بها لفترة طويلة. فإذا وُجِدَ الفائض، ترتفع القيمة
الإضافية للبنوك المركزية وتبدأ تباعا بمراكمتها، ويسمى ذلك: احتياطي البنك المركزي.
يتم استخدام الاحتياطيات
بشكل عام لتمويل العجز الحاصل في الميزانيات في سنوات الضعف المالي، وفي دول الخليج:
لسد النقص من تذبذبات أسعار النفط التي قد تخذلهم لعدة أسباب، لكن التذبذبات التي تحدث
على المدى الأبعد - لأن أسعار النفط تتغير مع مرور الوقت - يجعل من الوثوق بمبيعات
النفط فقط كمصدر رئيس صعبا، لذلك يتعين على البلدان أن تحمي نفسها دائما بوجود مخزون
إضافي لتغطية الفروقات الحاصلة من نقصان المبيعات. مع ذلك، لم تنجح الصناديق السيادية
في سد العجوزات بشكل كامل، وقد يكون نجاحا جزئيا في تعويض التذبذبات؛ لأننا لا نعرف
كيفية توقع أسعار النفط بوضوح، بالتالي هناك العديد من المحاولات لتخمين كيفية التسعير.
وهذا ما يجعل مدراء الصناديق يتساءلون عن الوقت المناسب لصرف الاحتياطيات أو استثمارها.
هل يمكننا أن نَعُدّ
صناديق الثروة السيادية مصدرا لتنويع الدخل للدولة؟ ربما يمكن عدها مصدرا للتنويع المالي؛
لأن الاستثمار الصناعي والبتروكيماويات والبنية التحتية يعدون استثمارات داخلية، في
حدود الدولة والمنطقة، لكن الاستثمار الخارجي يمكّن الصندوق من التحكم بالشركات التي
لديه نسبة كبيرة فيها، فحينما تملك الصناديق نسبة كبيرة في الشركات، يمكنها تعيين رئيس
تنفيذي ومجلس إدارة وغيرها، وهذا ما حدث مع أرامكو على سبيل المثال، حيث اشترت السعودية
أسهم شركة أرامكو ونقلوها من كاليفورنيا إلى السعودية، وأصبحت بعدها شركة قابضة. الأمر
بشكل عام يتمحور حول السيطرة في الصناديق السيادية، وكذلك التقييم حول الشركات المملوكة
لها.
لدى الصناديق السيادية
أهداف متباينة، ولصناديق الدول الخليجية ميزة في كونها تُموّل من قبل إيرادات النفط
للاستثمار في قطاعات ينبغي أن تكون مغايرة عنه؛ لتنويع القاعدة الإنتاجية. لكن لابد
لهذا أن يسبقه إصلاح الاختلالات المتأصلة في اقتصادات دول مجلس التعاون.
تركّز الاستثمارات
السيادية بشكل عام على: أصول الدخل الثابت، والأسهم العامة والشركات، والاستثمارات
البديلة كالعقارات والبنية التحتية. ومعظم الصناديق السيادية الخليجية تركز على الاستثمارات
البديلة ذات العائد السنوي المتوسط تقريبا (8%) للعقارات و(10%) للبنية التحتية. أقل
الاستثمارات الخليجية هي في أصول الدخل الثابت، التي تعطي عائدا أقل مقارنة بالبقية،
وهذا يجعلنا نرى تنوعا جيدا في الاستثمارات التي تركز على العوائد المعتدلة والتي تتصف
أيضا بمخاطر معتدلة، ما يعني أن صناديق دول الخليج تتحاشى الدخول في أصول المضاربة.
هناك العديد من
التحديات التي تواجه الصناديق السيادية، أهمها تمويل الصناديق الذي يستند على أسعار
النفط والحالة العامة لموازنة الدولة. على سبيل المثال، في دولة الكويت ومنذ عام
1976م، يتم اقتطاع 10% من عائداتها النفطية لتمويل صندوقها السيادي، وزادت في 2013
– 2014م إلى 25%. لكن في عام 2020م توقف الاقتطاع، وحتى أن الـ 10% التي يتم اقتطاعها
لتمويل الصندوق ذهبت لسد العجز، فأصبح نجاح الصندوق مهددا. أحد التحديات أيضا هي الشفافية
والحوكمة، وهذا يعكس مدى التعقيدات في التشريعات والإجراءات الخاصة بأحوال الصناديق،
لذا لابد من الشفافية لضمان الانسيابية في توجيه العائدات النفطية وتقليل الاستغلال
من قبل أي أطراف محتملين. أحد التحديات الممكنة هو الاستقرار المالي والاقتصادي الذي
يمكّن الدول من مراكمة الاحتياطيات والنقد الأجنبي الذي يخلق سيولة جيدة. وكذلك التنافسية
في الاقتصاد المحلي، فنحن بحاجة لرفع مستوى بيئة الأعمال، ورأس المال البشري، والأسواق
ومنظومة الابتكار.
بذلت الحكومات
في دول الخليج جهدا كبيرا للإصلاح، وأحد الأسباب الرئيسية التي جعلت أصحاب السياسات
يتوجهون نحو الإصلاحات هي جائحة كورونا؛ لأن كلفة الصحة وإنفاق الدولة كانتا في ارتفاع
متواصل. وبسبب ديناميكيات الاقتصاد العالمي، دفع ذلك أصحاب السياسات في دول الخليج
لمراجعة استراتيجياتهم في إدارة الصناديق السياسية وكذلك صناديق التقاعد وآليات الاستثمارات
فيها. كما كان هناك العديد من المحاولات لدمج الصناديق، مثل صندوق عمان للاستثمار مع
صندوق الاحتياطي العام للدولة، اللذين أصبحا معًا: جهاز الاستثمار العماني. وأيضا في
الدنمارك وهولندا وأستراليا، أقدمت صناديق التقاعد الحكومية على مبادرات لدمج صناديق
التقاعد معا؛ لأن هناك فكرة مفادها أن الصناديق الأكبر تحقق مكاسب أكبر، وحينما تخضع
عدة صناديق تحت إشراف واحد، فإنها تحقق ربحا أكبر. وهذا هو السيناريو المتوقع كجزء
من الإصلاحات.
كتابة: حميدة
بنت محمد بن صالح العجمية
2
ديسمبر 2021م
___________________________________________
مراجع:
-
https://www.youtube.com/watch?v=YPGPFWFm4Sw
-
https://www.youtube.com/watch?v=LWIpBImuNTc&t=1639s
-
https://www.youtube.com/watch?v=NDx_YOXbxfg&t=348s
-
https://www.youtube.com/watch?v=QJcez_pE7NQ
تعليقات
إرسال تعليق