هل سيكفي الغذاء العالم في 2022؟

مرحبا يا أصدقاء!

كنت أقرأ في الأسابيع الماضية تقريرا يتحدث عن قطاع الغذاء وصناعته في دول الخليج، وورقة بحثية حول متغيّرات الأمن الغذائي في سلطنة عمان، ونما مؤخرا عندي اهتمام بمجال الأمن الغذائي، فأحببت مشاركتكم ما توصلت إليه.

يمكننا أن نبدأ التفكير بالأمن الغذائي على أنه الوضع الذي يستطيع فيه الجميع – وفي كل الأوقات – الحصول على التغذية المناسبة، والكافية، التي تلبي احتياجهم وتفضيلاتهم؛ ليحصلوا على حياة صحية وحيوية. وكما تعلمون، فإن كل نمط اقتصادي لابد له أن يمر خلال العرض والطلب، فيتأثر الأمن الغذائي بنسبة النمو السكاني، وبالناتج الإجمالي للفرد، وتفضيلات المستهلكين، ويتأثر كذلك في الجانب المقابل بقدرة الدول على إنتاج الغذاء محليا، واستيراده من الخارج.

إن التحسّن الذي يعيشه العالم بعد فتح الاقتصادات، وارتفاع معدل النمو السكاني، وتحسن نصيب الفرد من الناتج الإجمالي المحلي في بعض الدول، أدى إلى رفع الطلب على الغذاء، ويمكننا أن نشير إلى هذا بـ: زيادة الاستهلاك، وبذلك يُتوقع أن ينمو معدل الاستهلاك الغذائي في دول الخليج بنسبة فائدة مركبة (CAGR) تصل إلى حوالي 2.3% حتى عام 2025م. تعد المملكة العربية السعودية والإمارات، الدولتين اللتين تملكان أعلى معدل استهلاكٍ غذائي بين دول الخليج؛ بسبب عدد سكانهما الكبير. وتعد منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا أكثر منطقةٍ اعتمادًا على الاستيراد لتحقيق الأمن الغذائي في العالم.

لا يمكن للدول – منطقيّا – أن تحقق الأمن الغذائي بالاكتفاء بالزراعة الداخلية والتصنيع الذاتي؛ لأن لكل دولة مقوماتها المختلفة التي تجعلها قادرة على زراعة وتصدير نوع غذائي دون آخر (العوامل المناخية، التضاريس، صلاحية التربة، ...)، وبذلك يظل هناك احتياج دائم للاستيراد من الدول الأخرى لتحقيق نسبة مستقرة ومستدامة من الأمن الغذائي. بحسب دراسة أجريت في Alto university (2017)، فإن هناك ما يقرب 1.4 مليار شخص يعتمدون على الاستيراد لتحقيق الأمن الغذائي، و460 مليون شخصا، يعيشون في أماكن حيث زيادة الاستيراد وحدها لا تكفيهم لتحقيق الأمن الغذائي، ولا تعويضهم عن نقص الإنتاج الداخلي والمحلي.

لذلك، فإن الحل الأمثل يكمن في التصنيع والزراعة المحلية والاعتماد على الاستيراد معا، جنبا إلى جنب لتحقيق نسبة متوازنة تخلق قيمة اقتصادية جيدة، وتوصل الدول إلى أعلى نسبة ممكنة من الأمن الغذائي والاكتفاء الذاتي.

أدى انخفاض أسعار النفط في منتصف عام 2014م إلى انخفاض نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي، وبالتالي التأثير على نسبة الاستهلاك في التغذية. لكن حدثت الكثير من التغيرات على مجال الأمن الغذائي بعد جائحة كورونا، وهو ما جعل العالم يمر بالعديد من التحديات، مثل عدم قدرة الدول على تأمين الغذاء الكافي، وإن قامت بتأمين ما يكفي، فإنه ليس بتعدد الخيارات التي تلاقي تفضيلات المستهلكين النهائيين. كذلك أدت الإغلاقات والعرقلة في التجارة الدولية إلى رفع أسعار المنتجات الغذائية وحدوث تضخّم، بسبب ترهل سلاسل التوريد، وارتفاع تكلفة الشحن والتوريد. هذا الأمر جعل الباحثين في هذا المجال يتنبؤون بالتحديات التي سيمر بها قطاع الأمن الغذائي بعد الجائحة إلى أن يصل إلى مرحلة التعافي.

التحدي الأول يكمن في أن التوتر الاقتصادي جعل المستهلكين يعبؤون سلة مشترياتهم بكميات أقل، وهذه إشارة إلى تراجع القوة الشرائية. والتحدي الآخر هو حدوث التضخم، والذي كما تحدثنا عنه سابقا، سيؤدي إلى رفع أسعار المنتجات في كل القطاعات، ابتداء من المواد التي تصنع منها، مرورا بالتعليب، وانتهاء بالشحن والتوزيع. ويعزو الباحثون في هذا المجال الارتفاع في الأسعار إلى ترهل سلاسل التوريد.

وبذلك، يمكننا أن نفكر بالحلول التي ستعزز مجال الأمن الغذائي، ويمكن لأول الحلول أن يكون الاستثمار في التكنولوجيا، والإسراع في تبني حلول ذكية لتحقيق الأمن الغذائي، سواء كانت لتحسين الإنتاج أو تسريع سلاسل التوريد. كانت التجارة الإلكترونية هي الورقة الرابحة في الجائحة، وبها استطاع الكثيرون المحافظة على أرباحهم. حتى بعد الجائحة، سيصبح المستهلكون أكثر اعتيادا على الطلب الإلكتروني، مما سيجعلها توجها رائدا في القطاع.

كما أن الوعي الجماعي الذي يمر به الناس، أصبح يساعد على تحسين القطاع بشكل كبير. على سبيل المثال، يؤمن المستهلك النهائي أنه يستطيع صناعة التغيير، ليس فقط على نفسه، بل على البيئة كذلك، وذلك بقيادة التغيير على طبيعة التعليب والتغليف مثلًا، لتكون من مواد سريعة التحلل عوضا عن المواد الصلبة، وهذا السلوك والتوجه يجعل من التغيير في جانب مقدمي الخدمة أو المنتج (العرض) أمرا ممكنا.

حاولت الحكومات التحكم بمعدل النمو السكاني؛ برفع التوعية حول الحياة الصحية والإنجاب والعائلة، وكذلك بنصيب الفرد من الناتج المحلي، بعدم المساس به قدر المستطاع. لكن لا يمكن للحكومات إيقاف الناس عن الإنجاب، لا يمكنها كذلك أن تتحمل الخسائر الاقتصادية دون أن يسهم الجميع في إصلاحها، ولا يمكنها أن تتحكم في أذواق المستهلكين بتوحيدها. يغلب على الطابع البشري التغيّر، والتكيّف كذلك. لذا ينبغي على الحكومات التعاون مع القطاع الخاص لإيجاد حلول مستدامة في مجال الأمن الغذائي؛ من خلال تحسين الصناعة الداخلية والزراعة المحلية، وعدم الاعتماد الأكبر على الاستيراد. كما أن الحفاظ على مخزون غذائي احتياطي قد يكون حلا ناجعا في حال تمكن الدول من ذلك، لكن التحدي هو الغذاء الطازج الذي يكون صالحا لفترة قصيرة.

نعود للسؤال في العنوان، هل سيكفي الغذاء العالم في 2022؟ يمكننا أن نجاوب على ذلك، فقط في اللحظة التي نصبح فيها متأكدين من قدرة العرض والطلب على البقاء في منطقة التوازن (Equilibrium)، والتي من خلالها يستطيع العرض أن يؤمن احتياج الطلب وتفضيلاته، مع وجود المرونة الكافية، والتقدم نحو حلول تكنولوجية ذكية، ووجود الخطط والسياسات المحفزة لهذا المجال.

 

 

كتابة: حميدة بنت محمد بن صالح العجمية

15 نوفمبر 2021م

_________________

مراجع مهمة:

-          http://www.alpen-capital.com/gcc-food-report-2021-september-06-2021.pdf

-          https://www.ripublication.com/adsa20/v15n2p10.pdf

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

مفارقة الازدهار

الحدس وصناعة السلوك المالي